إنضم إلينا

رشدي مازيغ يكتب لنا


نص جميل من ابداع الكاتب الشاب رشدي مازيغ صحاب كتاب معازف روحية




أحيانا لا نكتفي بالجلوس أمام الأخرين رغم أننا لا نعاني من أي شيء ، قد لا نطيق النظر لهم و الإستماع لكلماتهم ، قد نرى أفعالهم الغريبة من بعيد ، قد نرى حركة أجسادهم كيف تتغير من وضعية إلى وضعية أخرى ، .. كلماتهم السريعة في قذف الناس تجعل من ملامحهم تتغير إلى لون آخر غير اللون الذي يميزهم .
بتنا لا نعلم أين سنجلس لنفكر و نتخذ القرار المناسب لنا، فهذا العالم العجوز لا يكتفي بالإرتواء ، لا يكتفي بما آكل ، يريد المزيد من الأحداث المزيد من المساوىء التي تجعله يزداد تخمة، لا ندرى ماذا نفعل و أين سنجلس في مكان آخر لا يدركنا و لا يرانا فيه أحد ، متى سنلمس تلك الفرصة الحقيقية التي إنتظرتها رؤوسنا الصلعاء و هي التي غزاها الشيب سابقا، لم يبقى بها الان سوى شعيرات قليلة ووحيدة تلعن سوء الحظ الذي يجعلها تنتظر دورها بالمغادرة .
تتعدد الآسئلة بنا تلوى الأخرى ، لا نجدد أي خيمة في الطريق لنقيم بها مبتعدين عن حرارة الشمس باحثين عن كل الأجوبة التي ستجعلنا نجلس بمقعد واحد .
لا نعلم متى سيسمح لنا القدر بالفرار من حسرة ما نرى من هشاشة ما يحدث من قسوة ما يصنع .
نقف في مركز الشارع نبحث عن شيء ما، في الحقيقة نحن لا نعلم عما نبحث، فالشيء المفقود منا هو الوحيد الذي سننتظره ليبحث عنا، ليجدنا و يعانق الدهشة التي تراودنا .
يفل الليل و يرمي الكون بالقمر ليضيء المجرة بنوره الناصع، .. نراه من الشارع الذي نقف به هل هو الشيء الذي يبحث عنا، هل هو الشيء الذي ننتظر منه ان يجدنا، لا أظن و لا نظن هذا، فذلك الشعاع الأبيض قد أطل علينا من جناح الغيم ليخبرنا أنه أحد الأشعة المنحرفة من طريق الآمل لإنارة عتمة الأرض فقط .
نحتار متسائلين مرة ثانية و مالشيء الغريب الذي سيجدنا، .. هل هي النجوم التائهة في السماء، هل هي خيوط الفجر الباردة، هل هي أشعة الشمس الحارقة، هل هي زقزقة العصافير الناغمة، هل هي أنفسنا المتسائلة بداخل أجسادنا، هل هي نظراتنا المختلفة لما يحدث في هذا الوجود، هل هي أفكارنا المخفية التي تريد التحرر، هل هي رؤيتنا للأحداث و التفاصيل، لما يحدث في مختلف الزوايا و ثقوب المساكن ، لما تحمله أرصفة الشوارع و المقاعد، لما يستعد له الشارع و يهيء له نفسه و كانه عروس جديد تستعد لوضع مكياجها، نحن نظن هذا الشيء فالوقوف في نصف الشارع وحده من يجيب على ما نبحث عنه هو من وجدنا حقا ، .. فقد تتبعنا لنقف فوق منصة أجوبته .
تلك الفوضى تصف لنا ما يحدث ما يخفى عنا كل الوقت، .. تخبرنا عن هدوء الليل الذي يفقد جماله ليهديه إلى شتاء الفجر بالمجان ، عن صياح الديوك و إستيقاظ مختلف الطيور ، عن نعيق الغربان فوق أغصان شجرة الزيتون، عن أوراقها المتساقطة من رياح الخريف عن صراخ الشاحنات الذاهبة للتسوق و صوت محركات الحافلات التي تنقل المسافرين عن إلتطام عجلات السيارات بممهلات الطريق عن خروج الناس من منازلهم و توجههم للصلاة عن عويل المطلقات و الأرامل و المساكين و المشردين ، عن رائحة القمامة في زوايا الأزقة ، عن دخان المخابز و إرتفاع ضجيج المقاهي و زبائنها العاملين و و صكصكة النقود من قبل نادليها الحمقى .
لا شيء يميز هذا الشارع سوى ما نراه في البداية سوى ما لا يراه كل الناس سوى ما يحدث عند أول صرخة للسماء معلنة عن قدوم يوم جديد عن ميلاد قدر جديد .
عندما لا نكتفي بالجلوس مع الآخرين فنحن نجلس مع الطبيعة مع أنفسنا لنتشارك التفاصيل و نفوز بالدهشة و نكتفي بما تراه اعيننا بعيدا عن الناس .. !















شاركه على جوجل بلس

عن Unknown

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق